الهزيمة قد تجلب السلام أحيانا.. توافق مزعج بين إيران والمبعوث الأممي ضد اليمن

الأربعاء، 11 يوليو 2018 09:00 م
الهزيمة قد تجلب السلام أحيانا.. توافق مزعج بين إيران والمبعوث الأممي ضد اليمن
وحدة تابعة للجيش اليمني
حازم حسين - وكالات

يوما إثر يوم تتعاظم احتمالات تراجع الميليشيات الحوثية في اليمن، مع تكبدها خسائر عسكرية وبشرية مباشرة، واستمرار الانحسار والنزيف الجغرافي، بشكل قد يدفعها إلى الرضوخ لشروط الحكومة الشرعية.
 
في الأيام الماضية تصاعدت موجة الدعم الإقليمي والدولي للميليشيات الحوثية، كان التجلي الأبرز لها في تنظيم مسيرات تركية في شوارع اسطنبول، ترفع صور عبد الملك الحوثي والشعارات المؤيدة للجماعة المتمردة، بمشاركة أتراك من قواعد حزب العدالة والتنمية الحاكم وداعميه، وحضور واضح من الإيرانيين المقيمين، فيما يبدو أنه تعبير مباشر عن الانزعاج التركي الإيراني من خسائر الحوثيين في اليمن.
 
بالتأكيد لم تراهن تركيا على المسيرات والتظاهرات باعتبارها وسيلة فعالة لتغيير خريطة الصراع والواقع الجغرافي الذي تفرضه نجاحات الجيش اليمني والتحالف العربي، لكنها حاولت في الغالب أن تمهد لتوسيع مدى التدخل المباشر، تحت ذريعة الاستجابة للمطالب الشعبية، أو قدمت ما تعتبره "تبريرا استباقيا" لأي مسار مستقبلي قد يكشف تورطها المباشر في الصراع المحتدم على التراب اليمني.
 

الميليشيات في قبضة الجيش
بعيدا عن التوافق الغريب بين تركيا وإيران، واتفاق البلدين اللذين يبدوان عدوين مباشرين على عدم الحوثيين، فإن الجيش اليمني لم يتوقف عن تتبعه الشامل والقاسي للميليشيات الشيعية، مستكملا معاركه العنيفة شرقي "التحيتا" باتجاه مدينة زبيد في محافظة الحُديدة، حسبما ذكر مصدر عسكري مؤكدا أن وحدات الجيش اليمني سيطرت على مثلث "التحيتا - زبيد" وقطعت خطوط إمداد الميليشيات بين مديريات التحيتا وزبيد وبيت الفقيه بشكل كامل ونهائي.
 
من النجاحات الأخيرة أيضا، تنفيذ عملية نوعية من خلال وحدة قتالية تابعة للواء الخامس "حرس حدود"، استهدفت مواقع للميليشيات الحوثية في منطقة أبواب الحديد بمديرية باقم، كبدت الميليشيات خسائر بشرية تُقدر بالعشرات، وقد عثرت القوات على كميات كبيرة من الأسلحة والمواد المتفجرة، أبرزها صندوقان من مادة TNT شديدة الافجار، و40 صندوق ذخيرة 12.7 روسي، و37 قذيفة آر بي جي، وقذائف "بي 10"، و120 قذيفة هاون عيار 81 - 82، وأنواعا عديدة من الألغام وقنابل وذخائر متنوعة بكميات كبيرة، حسبما أكد العقيد الركن سامي القباطي قائد اللواء الخامس.
 
في إطار الرد الحوثي، شهدت "التحيتا" قصفا عشوائيا من عناصر الميليشيات، أسفر عن مقتل 12 مدنيا وإصابة آخرين، بينما ما زال البحث جاريا عن مسارات وخطوط إمداد بديلة لتوفير الدعم المالي واللوجستي، بعدما نجحت القوات النظامية ووحدات التحالف العربي الداعم للشرعية، في إغلاق كثير من المنافذ المهم للميليشيات، في مقدمتها مطار وميناء الحديدة، اللذين كانا أهم منافذ الدعم في الفترات الماضية.
 
 
الهزيمة قد تجلب السلام
لا يمكن توقع أن يذهب الحوثيون للسلام وهم يحتفظون بحضور قوي ومؤثر في المشهد، وسيطرة واسعة على كثير من المحاور الجغرافية، وقدرات عسكرية ولوجستية ضخمة، وخطوط إمداد مفتوحة تقف في آخرها قوى إقليمية ودولية كبرى، سواء كانت أموال قطر، أو أسلحة إيران وتركيا، أو مساهمات ومساندة غيرها من الدول.
 
في ضوء هذا الملمح تترسخ أهمية مواصلة التتبع الجاد للجيوب الحوثية، عقب النجاحات التي حققتها القوات اليمنية في الحُديدة، وعلى المحور الشمالي الشرقي باتجاه صنعاء، وفي أقصى الشمال وصولا إلى "صعدة" وخط التماس مع المملكة العربية السعودية، وتبرز أهمية توقف هذه العمليات بالنسبة للحوثيين، ومن ثمّ فإن أي دفع في اتجاه التهدئة الآن ربما يكون دعما مباشرا للميليشيات الإرهابية، حتى لو جاء على لسان المبعوث الأممي وليس أنقرة وطهران.
 
أصداء النجاحات الواسعة لقوات الشرعية، أو الخسائر الفادحة للحوثيين، عبر عنها علي منصور بن سفاع، سفير اليمن في الكويت، الذي أكد أن عملية "عاصفة الحزم" التي ينفذها التحالف العربي، نجحت في قطع أوصال الانقلابيين الحوثيين، وإيقاف تمددهم في الجغرافيا اليمنية، بشكل مثّل ضامنا مهما للاستقرار الداخلي وطمأنة وإعادة أمل كبيرتين للشعب اليمني.
 
السفير اليمني أكد أن استجابة التحالف العربي لمطالب الرئيس هادي بالتدخل، كانت عاملا رئيسيا في تحجيم الاستراتيجية الإيرانية ومطامع طهران في البلاد، وعرقلت خططها للتمدد في المنطقة بكاملها، كما ساعدت في استعادة الاستقرار داخل مؤسسات الدولة وفي الجيش اليمني الذي تمكن من ترتيب أوراقه ليحقق إنجازات ضخمة تتمثل في الانتهاء من تحرير 85% من الأراضي اليمنية.
 
لم تخل تصريحات "بن سفاع" من تشكيك في دور المبعوث الأممي، إذ رأى أن دعوته المطالبة لليمن بالاعتراف بالحوثيين خلال آخر اجتماعات مجلس الأمن تشكل سابقة خطيرة وتحديا مباشرا وسافر لإرادة المجتمع الدولي، وفي الوقت ذاته "حملت رسالة سلبية للحكومة الشرعية اليمنية المعترف بها دوليا، في ضوء أنها تتورط في انحياز واضح بعيدا عن مهمة المبعوث التي يجب أن تكون أساسها المرجعيات الثلاثة للمبادرة الخليجية".
 
هكذا يبدو أن حكومة عدن لا تراهن على تحركات المبعوث الأممي في إنجاز تحركات إيجابية، بينما على الضفة المقابلة تقف إيران وتركيا على أطراف أصابعهما بحثا عن أي ثغرة لدعم الميليشيات الحوثية والإخلال بميزان القوى في اليمن، وفي ضوء هذا التعقيد قد لا يتوفر مسار مأمون للدولة اليمنية وحكومتها الشرعية إلا مواصلة الحركة باتجاه إحراز نصر كاسح على عناصر الحوثي، رهانا على أن الهزيمة إن لم تعصف بالميليشيات تماما، فعلى الأقل ستجبرها على الجلوس لطاولة التفاوض.
 
الجلوس على طاولة التفاوض بنفسية المهزوم
نجاحات الجيش المتتابعة خصمت كثيرا من قدرات الميليشيات، وحال استمرارها فمن المرتقب أن تقضي على قدرات الحوثيين بشكل كامل، ما قد يقودهم للجلوس إلى طاولة التفاوض بنفسية المهزوم، وعلى الجانب المقابل يبدو أن الدولة تستعد لهذا المسار، خاصة أن الرئيس عبد ربه منصور هادي كان قد أمر بتشكيل لجنة، يشرف عليها رئيس الوزراء أحمد بن دغر، للعمل على بلورة الرؤى والأفكار الأساسية حول المشاورات المتقدمة التي قد تتلوها مفاوضات مع الحوثيين، في ضوء دراسة أطروحات المبعوث الأممي ومقترحاته.
 
الرئيس اليمني كان قد استقبل المبعوث الأممي مارتن جريفيث، في مقره المؤقت بمدينة عدن، وخلال اللقاء أكد "هادي" أن ميليشيات الحوثيين لا تعي مفهوم السلام بشكل حقيقي وعميق، وإنما تُدفع ظاهريا للسعي باتجاهه إذا شعرت بالانكسار والتراجع، وتستهدف من هذه المناورة أن تكسب مزيدا من الوقت لا أكثر، بينما أكد "جريفيث" اهتمامه بالتشاور مع كل الأطراف، والعمل على بلورة رؤى تتوافق مع مرجعيات السلام، في ضوء مركزية الجوانب الإنسانية.
 

توافق الفرقاء ضد اليمن
الالتقاء الكبير بين أهداف إيران وتركيا من جانب، والمبعوث الأممي لليمن من جانب آخر، حتى لو بدت خطابات الطرفين مختلفة ومتصادمة، يثير أسئلة حول الظهير العميق الذي يوجه الرؤى ويقود الخطوات الإقليمية والدولية في التعامل مع الملف اليمني الملتهب.
 
الطرف الإيراني التركي يحاول تقوية الميليشيات الحوثية وتعزيزها في مواجهة انتصارات الجيش اليمني، والمبعوث الأممي يحاول تجميد المشهد في صورته الحالية والذهاب بالميليشيات إلى طاولة التفاوض من موقع قوة، والمعنى العميق في الأمرين شبه متطابق، إذ إن تعويض عناصر الحوثي لخسائرهم يعني إطالة أمد الصراع وتكبيد الدولة والحكومة الشرعية خسائر كبيرة، والذهاب بهم للتفاوض الآن وهم في مرحلة القوة يُعني أيضا تشدد الميليشيات في مطالبها، وتكبيد الدولة اليمنية خسائر فادحة أيضا.. وهكذا لا يمكن النظر للموقفين على أنهما يسيران في اتجاهين متعارضين، كما قد يبدو للبعض.
 
الحكومة اليمنية تطالب بانسحاب الميليشيات الحوثية بشكل كامل وغير مشروط من المناطق التي تحتلها، بينما لا يبدو أن المبعوث الأممي يقترب من تحقيق أي نجاح يُذكر في إقناع عناصر الحوثي بالانسحاب من الحديدة، تأمينا للملاحة الدولية في البحر الأحمر، وتصفية الألغام التي زرعتها الميليشيات في المجرى الملاحي، وإغلاق المجال أمام تهريب الأسلحة الإيرانية لليمن، واستعادة نشاط الميناء بشكل طبيعي.
 
الضغوط المتواصلة على الحكومة اليمنية من المبعوث الأممي، لا يقابلها أيضا أي موقف تجاه تسييس الميليشيات للملف الإنساني، وحفر الخنادق وإقامة الحواجز، وقطع الكهرباء والمياه عن المدنيين، وهي الأمور التي توظفها الجماعة الحوثية كوسائل ضغط على الحكومة والمجتمع الدولي، وتتعامل معها الأمم المتحدة ومبعوثها كعناصر قوة تُوجب على الجانب الشرعي تقديم تنازلات والذهاب إلى التفاوض من موقع الندية والتساوي مع الجماعة المسلحة.
 
هذا المشهد القائم بتعقيداته ربما يهدد بصدام وشيك، فإما أن تواصل الدولة اليمنية جهودها لردع الحوثيين وإحكام الخناق عليهم، وتصطدم بشكل عميق بالجهود والقوى الداعمة لهم، أو يزيد المبعوث الأممي من ضغوطه وسط شكوك يمنية قوية في تحركاته، فتصطدم حكومة عدن الشرعية مع "جريفيث" والمؤسسة الدولية.. وفي كل الأحوال يبقى استمرار هذا التوافق المزعج بين إيران والمبعوث الأممي أمرا أقسى وأكثر خطورة من احتمالي الصدام السابقين.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق