أيها المصريون.. حب الوطن أم المصلحة؟

الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018 11:54 ص
أيها المصريون.. حب الوطن أم المصلحة؟
أحمد نجيب كشك يكتب:

حب الوطن ليس مجرد كلمات يتلفّظ بها الإنسان، أو شعارات رنّانة تُرفع وتُكتب هنا وهناك، وإنما تُترجم المحبّة الحقيقية للوطن بانعكاسها على تصرّفات أفراده في سلوك وتضحيات، من خلال البذل والعطاء والانتماء والشعور بالمسؤولية والإخلاص فيها، حيث الطبيب والمُهندس والمُزارع والعامل والجندي والشرطي وغيرهم كل بما يُقدّمه بإخلاص تجاه وطنه من عطاء بلا حدود ولا مصلحة مُقدّمة على مصلحة الوطن، وليس مجرد كلام وشعارات خالية من هذه الروح البناءة.
 
ومن هذا المُنطلق، فإنه لا يجب علينا أن تكون علاقتنا بالوطن علاقة قائمة على أساس المصالح والمكاسب الشخصية، فإن تحقَّقت المصلحة نال الوطن منّا الرضا التام، وإن لم تتحقّق المصلحة أو أصابنا مسّ أو قرح انقلبنا على أعقابنا ناقمين على أوطاننا، فيكون حالنا كحال المنافقين في عبادتهم لرب العالمين «ولله المثل الأعلى»، لا يرضون أبدًا إلا بما يوافق أهواءهم وشهواتهم ومصالحهم حتى لو كانت ليست من حقهم، كما قال الله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ»، فأمثال هؤلاء لا يتحرّكون إلا حسب مصالحهم حتى وإن كانت ضد الدين والوطن.
 
لقد علمنا الدين الحنيف بوسطيته واعتداله ومنهجه القويم، وغيره ممّا سبقه من الأديان والرسالات، أن الوطن له قيمة كبيرة ينبغي على الفرد أن يبذل الغالي والنفيس من أجلها، وكذا كان حال الأنبياء والمرسلين، فهذا نبي الله تعالى «شعيب»، عليه السلام، لم يُحزنه من أذيّة قومه أمرٌ بالقدر الذي أحزنه حينما هدّدوه بنفيه خارج وطنه، قال الله تعالى: «قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ»، وها هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حينما أراد الهجرة وقف ينظر إلى مكة، مهد الطفولة وبلد الصبا، يأخذه الحنين ويتذكّر لحظات عمره خلال أربعين سنة قضاها فيها، ثم قال: «ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك»، وكيف لا يكون حاله هكذا صلّى الله عليه وسلّم؛ وقد بيّن الله عز وجل أن فراق الوطن من أعظم الأمور التي قد يُصاب بها المُخلصون، وقد جعله عقوبة للمفسدين في الأرض، حيث قال تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ»، فالوطن ليس كما يزعم الخونة والجهلة، أنه حفنة من التراب! أو كما يُصرِّحون بلا خجل ولا علم بأنهم على استعداد تام للتضحية بالوطن من أجل الدين، بل إن الوطن أعظم وأجلّ من قولهم هذا، شاء من شاء وأبى من أبى، فالفهم الصحيح للدين يُجبرنا ألا نُفرِّق أبدًا بين الحفاظ على الدين والوطن أجمعين، وصدق «شوقي» الشاعر حين قال: «وللأوطان في دم كل حرّ ** يد سلفت ودين مُستحق».
 
ولذلك في ظلّ تلك الهجمة الشرسة على بلادنا من أجل تخريبها، وزعزعة أمنها واستقرارها، وتأخير مسيرتها نحو التقدّم والنماء، وكذا حال البلاد من حولنا، كل ذلك يجبرنا أن نسعى جاهدين إلى أن نغرس روح الولاء والانتماء والعطاء التضحية في نفوس أبنائنا، بالتزامن مع الدور المطلوب من جميع المؤسسات بالدولة للعمل على نشر هذه الروح بين شباب الأمة في المدارس والجامعات، والمؤتمرات والمنتديات، والصحافة والإعلام، فالوطن هو السفينة التي ينبغي أن نُضحّي حتى ولو بلا مقابل، وأبعد من ذلك لو على حساب أرواحنا، من أجل الحفاظ عليه حتى ينجو وننجو معه، وكما قيل: «الوطن شجرة طيبة لا تنمو إلّا في تربة التضحيات ولا تُسقى إلّا بالعرق والدم»، نسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا مصر الحبيبة وشبابنا من كل شرّ وغمّ وبلاء، وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق