أردوغان لا يفرق بين مسلم ومسيحي.. جنة عدن العراقية أصبحت أطلال

السبت، 19 يناير 2019 10:00 ص
أردوغان لا يفرق بين مسلم ومسيحي.. جنة عدن العراقية أصبحت أطلال
القوات التركية تقضي على الأخضر واليابس تحت ذريعة الحرب على حزب العمال الكردستاني

على الحدود العراقية التركية تقع كثير من المناطق الريفية، غالبية هذه المناطق تقطنها أسر مسيحية، لكن تلك المنطقة التي كانوا يطلقون عليها "جنة عدن" العراقية، أصبحت مسرحًا لعمليات القتال بين قوات الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، وهدفا لعمليات القصف المتكررة من طائرات أنقرة الحربية.
 
تحت ذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة إرهابيا، تشن القوات التركية عمليات واسعة تتعمد حرق الأرض ومن عليها، ما أدى إلى تحول المنطقة ذات الطبيعة الخلابة إلى "أطلال"، توثق لهمجية حكام أنقرة.

 
وسط الريف في المنطقة الكردية العراقية تقع هذه القرى ذات الطبيعة الخلابة، أكثرها روعة هي قرية "أرادن" أو "جنة عدن" وفق اللغة الكردية، تسيطر الجبال المذهلة على المشهد، وتحيط الحقول والغابات الخضراء بالكنائس، غالبية سكان القرية من المسيحيين، إلا أنها مثل نظيراتها على الحدود باتت ساحة للقتال على يد القوات التركية، بحجة احتضان المنطقة معقل حزب العمال.
 
الأمر لا يختلف كثيرًا في  مدينة أميدى (أو العمادية) المطلة على الوديان الخضراء، والتي تحتضن  أطلال منزل كان يستخدمه الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لقضاء العطلة، حيث تتعرض لقصف جوي تركي متكرر ومركز.
 
أميدي هي واحدة من أكبر مناطق الجذب السياحي في المنطقة، كانت ملتقى سكان إقليم كردستان والعراق في فصلي الربيع والصيف.
شبكة رووداو الإعلامية الكردستانية- مقرها أربيل- كشفت أن الطائرات التركية قصفت المنطقة 98 مرة في العام الماضي، ما أدى إلى مقتل لا يقل عن 12 شخصًا.
 
سكان أرادن الآشوريون يعانون نزاعا لا ناقة لهم فيه ولا جمل، بين تركيا والحزب، ما حدث مع قرى آشورية أخرى في العراق وجدت نفسها في ساحة للصراع الدموي.
 
 
المفارقة أن القرى التي تتعرض للقصف التركي تقع في محافظة دهوك معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني، أكبر حزب في حكومة إقليم كردستان،  الذي يتمتع تقليديا بعلاقات اقتصادية وثيقة مع تركيا، وقاتل "العمال" في الماضي. 

طائرات الموت
في 15 نوفمبر 2018 كان دلوفان محمد صالح يعتني بنحل العسل في الجبال فوق القرية حين سقطت عليه قنبلة تركية أردته قتيلًا.
والد صالح تحدث لوسائل إعلام وهو يحمل صورة ابنه، قائلًا "لقد ولد هناك، وقتل هناك، وترك وراءه أربعة أطفال يعيشون الآن دون أب".
 
أضاف "لا أمل لدي في أن تتوقف القنابل في المستقبل، لا تستطيع كردستان إيقاف قنابل أنقرة، تركيا بلد كبير، لكن كردستان صغيرة ".
 
تابع"لم يكن دوفان مجندًا بحزب العمال الكردستاني أو مؤيدًا له، بل إنه كان مجندًا في البيشمركة - الوحدة العسكرية الرسمية لحكومة إقليم كردستان ".
 
صالح لك يدعم حزب العمال، إلا أن الطائرات التركية أجبرته على تجنب الذهاب إلى المناطق القريبة من الجبال "تلك الأماكن خطرة، فهناك دائمًا طائرات تحلق في السماء".
 

قاذفات الجحيم
على عكس أرادن، تقع "مخمور"  في عمق الأراضي التي تسيطر عليها بغداد، إلا أنها أيضا لم تسلم من قاذفات الجحيم التركية، التي استهدفت أحد مخيمات اللاجئين فيها ، بحجة تطهيره من عناصر حزب العمال، في 13 ديسمبر الماضي.
 
الهجوم وقع على مسافة 165 كيلو مترا  داخل الأراضي العراقية،  وتسبب في إخلاء بعض القرى في دهوك، بسبب مخاطر التفجيرات، وتعطيل الحياة على الحدود العراقية التركية.
 
عمليات أنقرة التوسعية في المنطقة تصفها بـ"الأساسية" لأمنها، وتهدد في الوقت الحالي بغزو أجزاء مأهولة بالسكان الكرد في سوريو المجاورة لمحاربة قوات حماية الشعب الكردية.
 
شبكة رووداو قالت إن تركيا تمتلك قاعدة عسكرية في بامرني، غرب أردين مباشرة، إلى جانب قاعدة بجوار مهبط للطائرات في المدينة. 
بين مارس ويونيو 2018 وصل عدد القواعد التركية شمال العراق إلى 11 قاعدة عسكرية وفقًا لوكالة الأناضول.
 

"نخاف من الجيل"
العديد من القرويين بالمنطقة عبروا عن غضبهم من هجمات الاحتلال التركي ومنهم سلوان هيرميز الذي يمتلك متجرا صغير وسط أردين، التي تضررت كثيرًا بفعل الهجمات التركية.
 
قال إن أنقرة تمارس التسلط على الأراضي العراقية والكردية.. لا يمكن للمزارعين الذهاب إلى الجبل، إنهم خائفون".

صمت مشين
في أعقاب التفجيرات التي وقعت في 15 نوفمبر الماضي، اتهم رواد على مواقع  التواصل الاجتماعي حكومة إقليم كردستان بأنها لم تكن بالقوة أو السرعة الكافية لصد الهجوم، رغم أن البيشمركة أدانت الضربة الجوية التركية بعد بضعة أيام. فيما أعربت الحكومة عن قلقها إزاء تلك الضربات.
 
سركوت شمس الدين، عضو البرلمان العراقي عن حزب الجيل الجديد، قال إن حكومة إقليم كردستان لا تستطيع أن تفعل الكثير، لكن يجب أن تكون أقوى ضد الهجمات الجوية التركية.
 
النائب وصف قوة إقليم كردستان بالمحدودة، وعاد ليؤكد أن الحكومة الكردستانية بإمكانها أن تدين تلك الهجمات على الأقل، مشيرًا إلى أنها  ظلت صامتة أمام الاعتداءات التركية المتكررة، واصفًا صمتها بـ" المشين".

"قصف من طرف واحد"
الحكومة المركزية في بغداد أدانت بشدة تفجير مخمور، والغارات الجوية التركية على المنطقة، وعبر سياسيون عن غضبهم من استمرار الهجمات، مشككين في  نوايا أنقرة.
 
علي البياتي عضو المفوضية العليا العراقية لحقوق الإنسان قال " على تركيا العمل مع العراق لمحاربة حزب العمال وليس قصف البلاد من طرف واحد".
 
 
البياتي شكك في نوايا أنقرة بقوله "إذا كانت تركيا تريد حلًا حقيقيًا حيال حزب العمال الكردستاني، فعليها التعاون مع الجانب العراقي.
ومستنكرا سأل "تخيل لو أن القوات العراقية شنت بعض الهجمات أو التدخلات العسكرية في الأراضي التركية، ماذا سيكون الرد؟".

مستقبل مجهول
الرئيس العراقي برهم صالح، الكردي، ألتقى نظيره التركي رجب إردوغان في 3 يناير الشهر الجاري، تناول اللقاء قضية حزب العمال الكردستاني، فيما لم يسفر الاجتماع عن شئ محدد.
 
اللقاء انعقد بعد إعلان حكومة بغداد معارضتها هجمات أنقرة، وإدانة الهجوم على مخمور، واستدعاء السفير التركي، إلا أن ذلك لم يغير شيئا على الأرض، حيث لا تزال تركيا تواصل قصف المدنيين شمال العراق.

حرب إبادة
الجماعة الكردية المسلحة خاضت حرب عصابات مع تركيا منذ عام 1984، وتمركز حزب العمال على طول الحدود الجبلية بين جنوب شرق تركيا وشمال العراق، الذي يسيطر عليه حكومة إقليم كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي.
 
الحزب سعى للحصول على الحكم الذاتي للمناطق ذات الأغلبية الكردية جنوب شرق تركيا، أسوة بما حدث في العراق، ما ترفضه أنقرة، التي تمارس سياسة تطهير عرقي ضد الأقلية الكردية لديها.
 
منذ انهيار مفاوضات  السلام بين أنقرة وحزب العمال عام 2015، قتل أكثر من 1100 من قوات الأمن التركية، وأكثر من  2400 من مقاتلي "العمال الكردستاني"، فيما سقط 460 مدنيا، وفقا لبيانات مجموعة الأزمات الدولية مطلع الشهر الجاري.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة