تحمل علامات الغدر والخيانة.. كركوك المدينة الحائرة بين الأكراد والأتراك

الثلاثاء، 04 ديسمبر 2018 04:00 ص
تحمل علامات الغدر والخيانة.. كركوك المدينة الحائرة بين الأكراد والأتراك
إردوغان

سجل أسود للعثمانيين في كركوك، أضاف إليه إردوغان فصلا جديدا من الغدر من خلال محاولاته المستمرة تفجير الأوضاع داخل المدينة التي حاول أجداده سلب هويتها  بإقصاء أهلها عن الحكم، ونفيهم بعيدا عن الوطن.

في الوقت الذي شعر فيه الأكراد بفرحة عارمة نتيحة دخول ميليشيات البيشمركة إلى كركوك في يونيو من العام 2014 بسبب نجاحهم في الوصول إلى حكم المدينة التي طالما اعتبروها عاصمة تاريخية لهم، فإن حالة من الغضب سيطرت على القيادة التركية خاصة بعد أن رفعت السلطات الكردية علم كردستان إلى جوار العلم العراقي فوق المدينة، وهي الخطوة التي نظرت إليها أنقرة باعتبارها اجتيازا للخطوط الحمراء في المسألة الكردية. 

ما بين فرحة الأكراد وغضب تركيا، تمتلك كركوك الحكاية الأكثر إثارة وسخونة في ملف الصراع التاريخي بين الطرفين.

كركوك واحدة من المدائن الرئيسة في شمال العراق، باتت في الوقت الحالي عاصمة محافظة تحمل الاسم نفسه،  تقع على بعد 236 كيلومترا إلى الشمال من بغداد، وتتميز بتنوعها العرقي بين العرب والكرد والتركمان فضلا عن مجموعات صغيرة من الآشوريين.

كانت في العصر العثماني عاصمة لإقليم شهرزور والتي مثلت مع "وان" و"ديار بكر" الأقاليم الثلاثة الكبرى لكردستان حسب التقسيم الإداري العثماني.
تواصلت الهجرات الكردية إلى كركوك من شمال العراق منذ القرن السادس عشر الميلادي نتيجة للغزوات العثمانية المستمرة، الأمر الذي منح الأكراد التفوق العددي في المدينة، بينما كانت أهم الهجرات في منتصف القرن الثامن عشر، والتي أدت في نهاية الأمر إلى وصول عشيرة كردية قوية تدعى آل بابان إلى حكم المدينة لتدشن أزمة الأكراد والأتراك التي وصلت إلى ذروتها في الوقت الحالي.

تمكن سليمان بك من آل بابان من الفوز برئاسة إمارة شهرزور وصار يحكمها من العاصمة كركوك، بعد أن دخل البلاد مع عشيرته من بوابة إيران حيث كان آل بابان من الفرق العسكرية الرئيسة - في جيش نادر شاه الإفشاري - التي غزت العراق على حساب العثمانيين الضعفاء.

تمتع حكم آل بابان باستقلال مطلق مكنهم من احتكار السلطة في شمال العراق لفترة طويلة، وإنشاء عاصمة جديدة للإمارة في نهاية القرن الثامن عشر أطلقوا عليها السليمانية تيمنا بالأب المؤسس، ما تسبب في ضعف قوة إيران من ناحية، وعجز العثمانيين عن استعادة نفوذهم من ناحية أخرى

ظلت كركوك صامدة حتى سقطت في أيدي العثمانيين عام 1850، ليقرر السلطان عبد المجيد الأول إقصاء آل بابان من الحكم واستبدالهم بولاة يتم تعيينهم من إسطنبول، لتبدأ سنوات التهميش للأكراد وحرمانهم من ممارسة السياسة في السليمانية وكركوك، وتهجير مجموعات تركمانية إليها بهدف محو تفوقهم العددي. 




تضاعف التضييق على الأكراد في عصر حكومة الاتحاد والترقي التي سيطرت على الدولة العثمانية خلال السنوات الأولى من القرن العشرين، خاصة بعد أن اشتعل الصراع على سيادة العراق بين الدولة العثمانية وبريطانيا، خاصة في المناطق الغنية بالنفط مثل "إيالة الموصل" التي ضمت كركوك إليها إداريا عام 1912.

حسمت الحرب العالمية الأولى التي اندلعت عام 1914 نهاية الصراع بهزيمة العثمانيين لتنتقل كركوك إلى قبضة الإنجليز في 7 مايو من عام 1918 بعد أسبوعين فقط من الحصار، ورغم ذلك لم يفارق الأمل الأكراد في ضم شمال العراق بالكامل دولتهم الجديدة التي قامت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، أما  الميثاق الملي الذي أقره البرلمان العثماني في العام 1920، فقد اعتبر الموصل وكركوك مدنا تركية بناء على الوجود التركماني في كلٍ منهما. 

رفضت بريطانيا في معاهدة لوزان عام 1923 بنود الميثاق الملي،  فرضت شروطها كمنتصر في الحرب مؤكدة أن الشمال جزء من مملكة العراق الهاشمية الناشئة، ووقع مصطفى كمال أتاتورك على المعاهدة التي أجلت في مادتها الثالثة حسم موقف إيالة الموصل،  وفي عام 1926، أعلنت عصبة الأمم المتحدة ضم كل البلدان الواقعة إلى الجنوب من خط بروكسل إلى العراق، وبالتالي،دخلت الموصل وبالتبعية كركوك في حدود الدولة العراقية. 

في العام التالي لضم كركوك إلى مملكة العراق، بدأت شركة البترول العراقية في التنقيب عن النفط في المدينة، حيث تم اكتشاف حقل بابا كركر الذي استخرج منه النفط لأول مرة عام 1934، ليصبح منذ ذلك الحين حقل النفط الرئيس في شمال العراق بمعدل إنتاج وصل إلى أكثر من مليون برميل يوميا، وكان يعد الأكبر في العالم قبل اكتشافات النفط في المملكة العربية السعودية. 


كان من الطبيعي أن تتحول كركوك إلى مدينة بالغة الأهمية والثراء تنظر إليها تركيا بعين الحسد والطمع، وزاد من الحنق التركي خط الأنابيب الذي يأتي من كركوك ويمر بالبلاد لينتقل إلى أوروبا من ميناء جيهان على البحر المتوسط.

استخدم حزب البعث برئاسة صدام حسين السياسة العثمانية نفسها تجاه الأكراد، أقصاهم من مناطق نفوذهم في كركوك، حتى وصل عدد الأكراد المنفيين إلى نصف مليون شخص في الوقت الذي قام بتسكين العشائر العربية في المنطقة. 

أسست حرب الخليج عام 1991 ثم الغزو الأميركي للعراق عام 2003 للصراع حول كركوك، حيث منحت الولايات المتحدة الأميركية الأكراد الحق في تأسيس حكومة فيدرالية شبه مستقلة شمال العراق اختارت إربيل عاصمة لها، بينما اعترف الدستور العراقي الصادر عام 2005 في مادته 140 بأحقية الأكراد في العودة إلى كركوك والسليمانية، والحكومة الفيدرالية لكردستان العراق.

بحماقة تصرفت حكومة إردوغان عقب انتخابات كركوك عام 2003 والتي أسفرت عن فوز محافظ جديد لها هو الكردي عبد الرحمن منصور، قامت تركيا بإرسال فرقة كوماندوز لتفجير مبنى البلدية في كركوك واغتيال المحافظ ، ولكن المخطط فشل بعد أن قبضت قوة أميركية على الأتراك قبل الشروع في التنفيذ وهي العملية التي عرفت باسم "القلنسوة". 

تسبب القرار الأميركي اللاحق بمنع الأكراد من ضم كركوك إلى حكومة إربيل في هدوء ظاهري لأنقرة استمر حتى يونيو 2014، حتى سيطرت قوات البيشمركة الكردية على كركوك مستغلة حالة الفوضى التي تسبب فيها تنظيم الدولة الإسلامية داعش باستيلائه على الموصل وتكريت. 

هددت أنقرة حكومة إربيل من أن ضم كركوك سيتم الرد عليه بتدابير عسكرية ضد الأكراد في المدينة، وأعلن إردوغان عام 2016 عن مد النطاق الجغرافي لعملية درع الفرات من الشمال السوري إلى الشمال العراقي لتشمل الموصل وكركوك وتل عفر. 
بحث الرئيس التركي عن مسوغات جديدة لإعادة الأتراك إلى العراق، استدعى الميثاق الملي وحجيات الأراضي العثمانية في البلاد، وزعم حماية المسلمين السنة من التشيع الإيراني، والدفاع عن الأقليات التركمانية من اضطهاد الأكراد وهي الدعوة التي رد عليها  مسعود بارزاني رئيس حكومة إربيل ساخرا بأنه يطالبفي المقابل بحماية الملايين من الأكراد جنوب تركيا من الاضطهاد التركي. 



لم تجد التهديدات التركية لها مكانا على أرض العراق، خاصة بعد أن خرج الأكراد فعلا من كركوك، ليس على يد قوات عسكرية تركية كما لوح إردوغان، وإنما عن طريق الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشيعي الشعبي المدعومة من إيران والتي تمكنت من طرد قوات البيشمركة في 16 أكتوبر من العام 2017، بينما لم يتبق للرئيس التركي إلا وثائقه الصفراء على أمل استعادة كركوك التي تنتظر خلال السنوات القليلة القادمة أن تصبح جزءا من كردستان الكبرى على الرغم من خروج الأكراد المؤقت منها.

 

تعليقات (1)
مقال جيد
بواسطة: زردشت الكركوكي
بتاريخ: الثلاثاء، 04 ديسمبر 2018 11:59 م

المقال جيد رغم ان فيه خطأ. الكرد لم يهاجروا الى كركوك وكركوك لم تكن عراقية في القرن السادس عشر. اولا الكرد هم اصل كركوك وشهرزور امارة كردية وهي من بقايا الاماراة الكردية التي كانت موجودة قبل مجيء العثمانيين بقرون. التاريخ الكردي في كركوك لايبدأ بالعهد العثماني فالكرد لم يكونوا عثمانيين بل التركمان كانوا من ضمن القوات العثمانية الغازية. الكرد هم من الشعوب الايرانية وهم احفاد الميديين وليسوا من احفاد المغول و العثمانيين الغزاة كماهم الاتراك. ثانيا المقال يتحدث عن العراق في القرن السادس عشر! العراق انشا كدولة على يد الاستعمار الانكليزي عام 1921 وفقا لاتفاقية سايكس بيكو وتعديلاتها والتي قسمت اوطان العرب والكرد وغيرهم واسست دول قومية تحكمها قوميات محددة دون ان يكن للشعوب الاصلية اي راي. تاريح الكرد في كركوك يمتد الى تاريخ ماقبل الميلاد وحضارة نوزي الهندو-اوربية التي دمرها الاشوريون رغم انهم لم يستطيعوا السيطرة على منطقة كركوك وشهرزور كمافعلوا في هولير التي سموها باربيل. الكرد هم اقدم من سكن كركوك وبقيوا اكثريتها المطلقة حتى قبل مجيء حكم البعث الذي قام بالتطهير العرقي في كركوك وجلب عشرات الالاف من عرب الجنوب والوسط للاستيطان في كركوك.

اضف تعليق