السر فى البصمة.. كيف تثبت المحاكم نسب الأطفال من الناحية الشرعية والقانونية؟

السبت، 13 أكتوبر 2018 10:00 ص
السر فى البصمة.. كيف تثبت المحاكم نسب الأطفال من الناحية الشرعية والقانونية؟
إثبات النسب - صورة أرشيفية
علاء رضوان

مسألة البصمة الوراثية ومسألة مدى الاحتجاج بها تُعد من القضايا الحديثة أو المستجدة التي اختلف وتباين فيها فقهاء العصر، حيث تنازعوا في المجالات والنشاطات التي يستفاد منها وتعتبر فيها دليل أو حجة يعتمد عليها بشكل كلياَ أو جزئياَ، ما أدى بدوره إلى استعمال البصمة الوراثية في الدول الأوربية.

مسألة البصمة الوراثية بدأت به المحاكم الغربية فى أول الأمر، ثم بدأ الاعتماد عليها فى الفترة الأخيرة في البلدان العربية والإسلامية، وذلك من خلال نسبة أعمال الإجرام لأصحابها عن طريق البصمة الوراثية، لذا كان من الأمور التى نالت الإهتمام الشديد لدى القضاة معرفة حقيقة وطبيعة البصمة الوراثية والمدى الشديد لحجيتها في إثبات تحديد المجرمين وإقامة الحدود، وتمييز الأنساب .

فى التقرير التالى.. يرصد «صوت الأمة» مسألة البصمة الوراثية وأهميتها فى اثبات النسب من الناحية القانونية والشرعية -بحسب الخبير القانونى والمحامية هبه علام. 

ob_1e8359_

لابد فى بادئ الأمر التعريف بـ«البصمة» حيث مشتقة فى الأساس من «البُصم» وهو فوت ما بين طرف الخنصر إلى طرف البنصر، ونقول بَصَمَ بصماً إذا ختم بطرف إصبعه، والبصمة هى أثر الختم بالإصبع، أما البصمة عند الإطلاق ينصرف فى المقام الأول إلى بصمات الأصابع وهي بمثابة الأثر التي تتركها الأصابع فى حال ملامستها الأشياء وتكون أكثر بياناَ ووضوحاً في الأسطح الناعمة حيث تفيد فى أيامنا هذه كثيرا في معرفة الجناة والمتهمين عند أخذ البصمات من مسرح الحادث حيث لا يكاد فى الأساس يوجد بصمة تشبه الأخرى -وفقا لـ«علام».

الأبحاث في مجال الطب تطورت خلال الفترة الماضية حيث تم التعرف على واكتشاف محتويات النواة والصفات الوراثية التي تحملها الكروموسومات، والتي يتعذر معها تشابه شخصين في الصفات الوراثية –عدا التوائم المتشابهة– وهي أكثر توافراَ وأكثر دقة من بصمات الأصابع حيث يمكن أخذ المادة الحيوية الأساسية لنستخرج منها البصمة الوراثية من الأجزاء التالية-طبقا لـ«علام» : 

اقرأ أيضا: علوم مسرح الجريمة.. دور بصمة العين في كشف هوية المجرمين

«الدم، والمني، وجذر الشعر، والعظم، واللعاب، والبول، والسائل الأمينوسي «للجنين»، وخلية البيضة المخصبة بعد انقسامها، وخلية من الجسم» والكمية المطلوبة بقدر حجم الدبوس تكفي لمعرفة البصمة الوراثية، وقد عرفت البصمة الوراثية بأنها: «البصمة الوراثية هي البنية الجينية نسبة إلى الجنيات أي المورثات التي تدل على هوية كل إنسان بعينه».

ومصادر البصمة الوراثية فى الحقيقة موجودة بالنواة من كل خلية في جسم الإنسان والجسم يحتوي على ترليونات من الخلايا، وتحتضن كل خلية نواة هي المسئولة عن أمور هامة منها حياة الخلية ووظيفتها وكل نواة منها تحتضن المادة الوراثية بداية من الخواص والصفات المشتركة بين جميع البشر أو بين سلالات متقاربة وانتهاء بالتفصيلات التي من المفترض أن  تختص بالفرد وتميزه بذاته بحيث لا يطابق فرداً آخر من الناس. 

997

وفى الحقيقة -بحسب «علام»- مصدر البصمة موجود على شكل أحماض أمينية «DNA» ويطلق عليها الصبغيات، لأن من خصائصها أنها تلون عند الصبغ وتسمى أيضاَ «الحمض النووي» حيث أنها تسكن في نواة الخلية وهي موجودة في الكروموسومات، وهذه الكروموسومات منها ما هو مورث من الأم أو الأب ومنها أيضاَ ما هو مستجد بسبب الطفرة الجديدة «NEO MUTATIOn».

تنتقل الصفات الوراثية من الجينات حيث أن هذه الجينات تتواجد في ما يُطلق عليه بـ«الكروموسومات» وهناك حوالي 100 ألف جين مورث في كل كروموسوم واحد، لذلك فإنه لو تم دراسة كروموسومين فقط بطريقة عشوائية لأمكن متابعة عدد كبير من هذه الصفات الوراثية في هذين الكرموسومين ولأصبح الجواب الصحيح في معرفة البصمة الوراثية للأبوة والبنوة بنسبة نجاح تصل لـ 99.9% نظراً لعدم تطابق اثنين من البشر في جميع هذه الصفات الوراثية.

مجالات الاستفادة من البصمة الوراثية :

إن اكتشاف القوانين والأسس المتعلقة بالوراثة ومعرفة كيفية ترتيب عناصرها المشتركة والخاصة ومعرفة طريقة الاستفادة منها مما أنعم الله للبشر من العلم في هذا الزمان كما قـال تعالى: «ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء».

ويمكن تطبيق هذه التقنية والاستفادة منها في المجالات التالية :

عملية نفى النسب أو اثباته وما يتعلق بذلك مثل تمييز المواليد المختلطين في المستشفيات أو في حال الاشتباه في أطفال الأنابيب أو عند الاختلاف أو التنازع في طفل مفقود بسبب الكوارث والحوادث أو طفل لقيط أو حال الاشتراك في وطء شبهة وحصول الحمل أو عند وجود احتمال حمل المرأة من رجلين من خلال بييضتين مختلفتين في وقت متقارب كما لو تم اغتصاب المرأة بأكثر من رجل في وقت واحد ، أو عند ادعاء شخص عنده بينة «شهود» بنسب طفل عند آخر قد نسب إليه من قبل بلا بينة . 

اقرأ أيضا: علوم مسرح الجريمة.. طرق كشف هوية مرتكب الجريمة بالبصمات الخفية والملوثة بالدماء

2- تحديد الشخصية أو نفيها مثل عودة الأسرى والمفقودين بعد غيبة طويلة والتحقق من شخصيات المتهربين من عقوبات الجرائم وتحديد شخصية الأفراد في حالة الجثث المشوهة من الحروب والحوادث والتحقق من دعوى الانتساب بقبيلة معينة بسبب الهجرة وطلب الكلأ أو تحديد القرابة للعائلة .

3- إثبات أو نفي الجرائم وذلك بالاستدلال بما خلفه الجاني في مسرح الجريمة من أي خلية تدل على هويته كما هو الحال في دعاوى الاغتصاب والزنى والقتل والسرقة وخطف الأولاد وغير ذلك.

إلا أن أخذ عينة من المني أو العثور على شعرة أو وجود أثر اللعاب عقب شرب السيجارة أوأثر الدم أو بقايا من بشرة الجاني أو أي خلية تدل على هويته، ونسبة النجاح في الوصول إلى القرار الصحيح مطمئنة، لأنه في حال الشك يتم زيادة عدد الأحماض الأمينية ومن ثم زيادة عدد الصفات الوراثية . 

elsadachild

ومن أشهر القضايا الشهيرة التي استعملت فيها هذه التقنية فضيحة الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلنتون في قضيته الشهيرة مع ليونيسكي، حيث لم يعتذر أو يعترف للجمهور الأمريكي إلا عندما كشفت الأدلة الجنائية وجود بصمته الوراثية المأخوذة من المني الموجود على فستان ليونيسكي .

وهناك حادثة أخرى وقعت قديما فى إحدى الدول العربية ذكرها ممثل معمل الأدلة الجنائية أثناء مناقشة موضوع البصمة الوراثية، وتعود تفاصيل القضية أن امرأة ادعت أن أباها وقع عليها، ما نتج عنه حصول حمل، وفى الحقيق أن احتمال تصديقها كان ضعيفاَ، لأن الأب مسن في الستينات من العمر، ونظراَ لقوة العلاقة التي تجمعه بالمتهمة، فتم تأجيل موضوع التحليل حتى وضع الحمل لئلا يتضرر الجنين.

وفى تلك الأثناء، تم الوضع ومن خلال التحاليل تم اكتشاف أن الطفل لا علاقة له بالمتهم «الأب»، وبينما كان الأعجب والأغرب من ذلك اكتشاف أنه لا علاقة له بالمرأة المدعية، فتبين أن القضية فيها تلاعب وأن أيدي خفية وراءها، فالنفي عن المتهم لا إشكال فيه أما النفي عن المرأة الحامل فيه تصادم مع الواقع.

وبالرجوع لأسماء المواليد الذين ولدوا في نفس اليوم بالمستشفى اتضح أنهم بلغوا «30» طفلاً وعند حصر الصفات المطلوبة انحصرت في «12» طفلاً تم الاتصال بذويهم واحداً واحداً حتى تم الوصول للطفل المطلوب واتضح أن بصمته الوراثية دلت على ارتباطه بالمتهم «الأب» وأن هناك طفلاً لقيطاً أدخل المستشفى في نفس اليوم وعند التسليم تم التبديل لإخفاء الحقيقة والله المستعان .

طرق إثبات النسب في الشريعة الإسلامية :

لا خلاف بين الفقهاء أن النسب الشرعي لا يثبت في حال تصادم النسب مع الواقع الحسي كما لو ادعت المرأة نسب طفل لزوجها الصغير الذي لا يولد لمثله وكذا لو أتت به قبل مضي ستة أ شهر من الزواج .

ويثبت النسب في الشريعة الإسلامية بالطرق التالية :

1- الفراش :

والفراش يُعد تعبير مهذب عن حالة أو وضع اجتماع الرجل بالمرأة حيث تصبح المرأة كالفراش لزوجها، ولما كان التحقق من حالة «الجماع» بين الزوجين شبه متعذر لكونها مبنية على الستر اكتفى الجمهور بمظنة الدخول خلافاً للحنفية الذين اكتفوا بعقد النكاح واعتبروا المرأة فراشاً لزوجها يثبت به النسب وذهب بعض المتأخرين كابن تيمية وابن القيم إلى اشتراط الدخول المحقق وعدم الاكتفاء بمظنة الدخول .

ولا شك أن الأول أولى فعامة أحكام الشرعية مبنية على غلبة الظن وإثبات الدخول المحقق في كل حالة متعذر، وإثبات النسب عن طريق الفراش مجمع عليه بين الفقهاء لقوله – صلى الله عليه وسلم-: «الولد للفراش». 

اقرأ أيضا: علوم مسرح الجريمة..كيف تدل «بصمة الشعر» على سن وجنس الجانى وصلته بالمجنى عليه ؟

2- الاستلحاق :

وذلك بأن يقر المسـتلحق بأن هذا الولد ولده أو أن هذا أخوه أو أبوه وغير ذلك، وقد اشترط العلماء للاستلحاق شروطاً أبرزها أن المُقر له بالنسـب ممن يمكن ثبوت نسبه من المُقر، فلو أقر من عمره عشرون ببنوة من عمره خمسة عشر لم يقبل إقراره لاستحالة ذلك عادة وعقلاً ، فهل هذا الشرط يمكن تنزيله على البصمة الوراثية ؟ هذا ما سيأتي الإجابة عليه في الصفحات التالية .

3 – البينة :

وقد أجمع الفقهاء على أن النسب يثبت لمدعيه بناء على شهادة العدول بصحة ما ادعاه ويكفي في ذلك الاستفاضة بمعنى الشهادة بالسماع بأن يشتهر الأمر بين الناس حتى يصير معروفاً بينهم ويقول جمع كبير من الناس سمعنا أن فلانا ابن فلان. 

download

4 – القيافة :

وهي مصدر قاف بمعنى تتبع أثره ليعرفه، يقال : فلان يقوف الأثر ويقتافه والقائف هو الذي يتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأبيه وأخيه، والمراد بها هنا الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود.

وقد ذهب الحنفية إلى أن القيافة لا يلحق بها النسب لأنها ضرب من الظن والتخمين بينما ذهب جمهور العلماء بالأخذ بها لدلالة السنة والآثار عليها، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها قالت : دخل علي رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ذات يوم مسروراً تَبْرُقُ أسارير وجهه، فقال : «ألم تريْ أن مجزَّزاً المُدْلِجي نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامها فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض.

5 – القرعة :

وذلك عند التنازع على طفل ولا بينة لأحدهم فيجرى القرعة وهذه أضعف الطرق ولم يأخذ بها جمهور العلماء وهو مذهب الظاهرية وإسحاق ورواية عند الحنابلة وكذا المالكية في أولاد الإماء.

هل البصمة يثبت بها النسب ؟

بعض العلماء ذهبوا إلى اعتبار «البصمة الوراثية»  طريقاً من طرق إثبات النسب من حيث الجملة واختلفوا في بعض القضايا الفرعية وقد جاء في قرار المجمع الفقهي بالرابطة .

-يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية :

أ – حالات التنازع على مجهول النسـب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه .

ب – حالات الاشتباه في المواليد في المسـتشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب .

ج – حالات ضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب وتعذر معرفة أهلهم ، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحرب والمفقودين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق