دعوة للتفكر

السبت، 16 ديسمبر 2017 10:03 ص
دعوة للتفكر
هبة العدوى

قابلتها في بهو العيادة.. إمرأة في خمسيناتها.. سمينة بعض الشيء.. تتشح برداءٍ أسود اللون يبدو منه ان إمرأته لا تلقي بالاً للأناقة وعوالمها.. لا يشي مظهرها بأي شيء غير عادي .. غير العادي هو الحوار الذي دار بينها وبين المسئولة عن العيادة وبيني.. فبمجرد دخولنا المكان واتخاذ كل منّا مجلسه، حتى أسرعت هي تحدث المسئولة عن العيادة والتي كانت تشاهد مسلسلاً هنديا:
 
"ليه مبتتفرجيش على مسلسل سابع جار أحسن من المسلسل الهندي ده على الأقل واقعي وعن حياتنا".. لفتت نظري الجملة بطبيعة حالي كمشاهدة ترقب عمل فني بعين النقد بسلبياته وإيجابياته.. تلك السلبيات التي بلغت من هذا العمل بالفعل مبلغها مما أثار فضولي لأتخذ دوري بسؤالها عن كيف كونت رأيها هذا في المسلسل خاصة أنها فيما تبدو من الطبقة التي اعتدنا داخل مجتمعنا المصري أن نطلق عليها (الطبقة المحافظة التقليدية) 
 
-معلش حضرتك شايفة إنه واقعي إزاي؟ 
 
انطلقت تحدثني -وكأن الكلمات كانت علي طرف شفاها- أن صديقات ابنها في إحدى الجامعات الخاصة إحداهن شاذة والأخرى منحرفة.. وهكذا كان كل حديثها عن ما يسمى بواقع حياتنا حتى وصلت للطامة الكبرى.. تحدثت قائلة إن المتزوجة قد يكون أمرها أهون من الفتاة.. فالفتاة عذراء أما المتزوجة فلا.. وهنا لم ينقذني منها إلا صوت المسئولة عن العيادة منادية لها بأن دورها قد حان. 
 
(2)
قبل أن نتحدث عن سابع جار.. دعوني أطرح بعض الأسئلة للنقاش فيما بيينا:
 
ما هو المعيار الصحيح للحكم على الأفعال في الحياة صوابها من خطئه؟.. أم أن الحياة هي عبارة عن فوضى بلا أي معايير نرجع لها كمجتمع؟
 
وهل كل الأفعال في الحياة مسجونة بين الأبيض والأسود.. كحلال وحرام.. أم أن الله حرّم علينا خطايا محددة هي ليست لتسجننا بل لتحررنا من أرضية أجسادنا؟؟ 
 
قال الله تعالي:
بسم الله الرحمن الرحيم 
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْط﴾، ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾
صدق الله العظيم
 
 
(3)
بالطبع كل إنسان له حريته الكاملة في كل شيء.. إلا إذا تعدت حدود مجتمعه
 
ما هي حدود مجتمعنا التي لا نقبل بها مساساً؟، وما هي الحدود المصطنعة التي قزمت من أحلامنا فصرنا أمة بلا همة ولا إرادة حرة؟، أم تري أن كل الأمور مُلتبِسة إلى الدرجة التي أصبح فيها الجميع تائهون إلا ما رحم ربي؟
 
فهناك تقاليد بالية شيئت الإرادة.. وهناك حدود ومُحرّمات المساس بها يعني اغتيال حرية مجتمعنا وإصابتها في مقتل.. فالحرية ليست أبدا هي أن تفعل ما تشاء وقتما تشاء، وإلا لقتل فلان لممارسة حريته ولتحرش علان لممارسة حريته ولانهدم مجتمعنا وتحول لغابة بين عشية وضحاها.
 
 
 
(4)
أشاهد مشهدا مبتذلا لفظا في مسلسل سابع جار.. فالابتذال ليس فقط صورة بل قد يكون برمجة عقلية على أفكار مشوهة ومنحرفة.. أستطيع أن أقول أننا لو حذفنا دور دلال عبد العزيز وشيرين وأسامة عباس سيكون المسلسل في أغلب شخوصه متطرفين فكراً أو فعلاً.. هذا التطرف الذي يغذي يمينه يساره والعكس بالعكس.
 
والمشهد كان ذلك أنها مازالت عذراء ولم تنم من قبل بجانب أي رجل.. وتستطرد قائلة: أنا عارفة إن الموضوع ده صادمك.. بس أنا آسفة إني مقولتلكش وكان لازم أقولك.. لوهلة فركت عيناي، هل ما أراه هو مشهد مصري أم مشهد أمريكي مبتذل كعادة الكثير من أفلامهم ومسلسلاتهم!!، ما هذا الذي سيصدم زوج يتزوج من إمرأة إذا ما أدرك أنها لم تمارس (الزنى) من قبل؟!
 
 
(5)
وأتساءل هل يدعو المسلسل للحرية المجتمعية المطلقة تلك التي بلا أي سقف.. لا ديني ولا أخلاقي؟ أم تراهم ينتهزون فرصة ظهور تجار الدين والمتشددين على الساحة لكي يبرزوا لنا (الزنى) على أنه فعل عادي.. الزنى رجل وإمرأة (متزوجة أو غير متزوجة) هو فاحشة ومن الكبائر.. والخطيئة موجودة من فجر التاريخ، لكن الفحش والجهر بها هو ما يجعل المجتمعات تنحدر حتى يصل أفرادها للقاع.
 
من يقبل أن تكون الفاحشة تريند جديد!!..أن تصبح (عادي)؟
يحاول ذلك التيار المتطرف يسارا بتلبيسه للخطايا الكبرى (كالزنى والشذوذ) رداء الإنسانية الطاهر، مثلهم في ذلك تماما مثل تجار الدين، الفرق الوحيد أن تاجر الدين يُلبِس تجارته لدين الله لباسا من طهارة الدين، وتاجر الإنسانية مثله يُلبِس تجارته للفاحشة والكبائر زي طهارة الإنسانية.
 
(6)
لا أبالي بكلا التطرفين.. فلقد اعتدت أنهم كذلك وهذه تجارتهم وتلك بضاعتهم وعلينا إما نقبلها أو نرفضها، ولذلك ما أهتم به حقا هو نحن.. الطبقة الوسطى اجتماعيا وفكريا.. كيف نبتلع الطعم ونتبرمج علي ثقافة تبيح اعظم الكبائر هكذا بمنتهي السهولة؟
 
كيف للمرأة التي قابلتها في العيادة أن تتناسى أمر الله بإن المحصنة المتزوجة فاحشتها أكبر من الفتاة.. وتنظر فقط لغشاء البكارة دون نظر لما وراءه من العفة والطهارة وحفظ الفرج للذكر والأنثى؟ 
 
 
(7)
لم أكن سأتطرق لنقد المسلسل فغيره الكثير.. لكن العنوان الذي روج له به هو ما دفعني لذلك: (الدراما العائلية تعود) مع مصاحبة موسيقى رقيقة لأغنية تحمل الكثير من الدفء في معانيها ونغماتها، وكأنك الآن أيها المشاهد على موعد لبرمجة عقلك بأن تتقبل الزنى والفُجر.. فلما تتقبلهم، يظهروا بصورة أعلى من يحدثونك على تقبل الشذوذ.. وهلم جرا. 
 
كل عائلة مصرية بلا أي أهداف سياسية، لتكن على يقين أنها هدفا لكلا التطرفين الممنهجين.. فمن ليس له أهداف واضحة محددة يصبح هدفا من أهداف الآخرين ولو بعد حين.
 
كل عائلة مصرية عليها أن تتمسك بكل مُحرّماتها بقوة.. وفي نفس الوقت تتفكّر مرة من وراء مرة في عاداتها وتقاليدها صوابها من خطأها.. وكيف ترد هذه العادات والتفاليد لأصول الأخلاق الإنسانية التي هي لغة كل أهل الأرض.. وإذا لم نفعل ذلك فالحقيقة الوحيدة التي ستحدث هي أننا كما صحونا يوما فوجدنا كثير من الفتيات وكثير من الفتيان في ركب تجار الدين.. بنفس الطريقة سنجد أولادنا في ركب تجار الإنسانية.. هذا إذا لم نستفيق ونصنع لأنفسنا حضارتنا المصرية الخاصة بقيمها الإنسانية الحرة المنضبطة.. تلك كانت ومازالت  دعوتي فهل من مجيب؟؟
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق