المغرب وإيران.. ماذا يجرى في الرباط؟

الخميس، 17 مايو 2018 09:11 م
المغرب وإيران.. ماذا يجرى في الرباط؟
إيهاب عمر يكتب:

تفاجأ البعض وصمت البعض الآخر جهلاً عن حيثيات خطوة مملكة المغرب قطع العلاقات مع إيران على خلفية دعم الحرس الثوري الإيراني لجبهة البوليساريو، فقد بدا القرار غريباً على من تم تنميط عقله بديباجات اخوانية او غربية خالصة عن المغرب ونظام حكمه.
 
وسارعت طهران لتحريك الطابور الفارسي الخامس في الصحافة والاعلام العربي، لتبرئة الساحة الإيرانية واتهام المغرب بالارتماء في أحضان السعودية، ووضع الأمير محمد بن سلمان في جملة مفيدة كما جرت العادة الفارسية، فالإفلاس الفكري الذي يعاني منهم منظرو طهران في المنقطة العربية مفهوم، فكل شيء وراه السعودية وكل شيء في العالم يجرى بأموال بن سلمان، والكل راكع للرياض باستثناء طهران الشريفة كما أطلق عليها غلمانهم في قطر يوماً ما.
 
في البداية نكرر المبدأ العام الذي يجب ان الا نخرج عنه حينما نناقش امر إيران، ان إيران ليست عدوة لتركيا او إسرائيل او إرهاب الإسلام السياسي السني، ولكن كل هؤلاء يتنافسون على تنفيذ نفس الاجندة الغربية لتدمير الشرق الأوسط وتقسيم دوله، المنافسة على من يقوم بذلك ليحصد مباركة ورضا الغرب فحسب، وما تمسك إيران بالاتفاق النووي مع الغرب وسعيها الدائم للحصول على مباركة الغرب على افعالها في لبنان واليمن وسوريا والعراق الا خطوة في هذا الإطار.
 
خطة الخميني الاصلية اعلنها يوماً ما في خطاب عام، انه يريد ان يرى علم الثورة الإسلامية الإيرانية فوق القاهرة والرياض والكويت، ولكن فعلياً تحركت ايران الإسلامية في جميع الدول العربية بلا استثناء، الصديق قبل العدو، وما تفعله اليوم ايران في سوريا الحليفة من توطين لشيعة ليسوا سوريين او شوام في غرب سوريا خاصة دمشق من اجل تغيير الديموجرافية السنية السورية الى شيعية فارسية الا مثال واضح ان ايران ليس لها حلفاء في العالم العربي بل لها اتباع تقوم ايران بالتعامل معهم من مبدأ الكبير الذى لا يجب ان يتم الخلاف معه او تخطى أوامره ابدا.
 
ولهذا السبب هنالك إدارة في الحرس الثوري الإيراني لكل دولة عربية بل وإسلامية من اجل التدخل والتخريب، من اندونيسيا الى المغرب بطول وعرض ما يسمى العالم الإسلامي.
 
لذا لا عجب ان تقوم إيران بدعم جبهة البوليساريو التي أعلنت من جانب واحد قيام ام يسمى بـ الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وهي قضية وكيان لا أصل و لا فصل له في التاريخ، وبكل اسف فأن الجزائر بدورها تدعم هذا الكيان بل ولديها ملف تنسيق مع طهران في هذا الاطار، رغم انه بعض الأطراف داخل الجزائر رصدت دعم إيراني للأمازيغ وتأليبهم على ما اسموه عرب الجزائر!.
 
لقد تعرضت المغرب عام 2011 الى نفس المؤامرة التي تعرضت لها مصر وسوريا وليبيا والبحرين وغيرها من استغلال امتلاء الميادين بالغاضبين، ولكن ملك المغرب محمد السادس تحرك سريعاً وبطريقته الخاصة بعيداً عن دروب اخري، وعدل الدستور واجرى انتخابات برلمانية سريعة أدت الى فوز حزب إسلامي ما فوت الفرصة على المؤامرة للتصعيد في الشارع او استخدام أدوات اخري، احرق ورقهم في صناديق الاقتراع لأنه في نهاية المطاف وبعيداً عن أي دساتير فأن الملك هو اللاعب الرئيس والأول على الساحة السياسية في المغرب مهما حاول البعض ادعاء عكس ذلك.
 
ويلاحظ انه رغم الحكومة الإسلامية في المغرب ورغم الاتصال الأيديولوجي بين تنظيم الاخوان والخميني وتنظيماته الحاكمة في إيران اليوم، الا ان الملك محمد السادس اتخذ القرار الخاص بقطع العلاقات مع إيران رغم ان الكثيرون عولوا على الحكومة الإسلامية في رفض هذا القرار او ان يحدث أي مشاكل بين القصر والوزير وهو ما لم يحدث نظراً لان ما جرى في المغرب منذ عام 2011 هو في واقع الامر حرق الورقة الاخوانية على نار هادئة.
 
ولقد اوجعت تلك الحنكة السياسية الكثيرون داخل وخارج المغرب، لذا لا عجب ان تكون المغرب هي الدولة الوحيدة في دول الربيع العربي التي تعرضت لمحاولات افتعال ثورة جديدة ربما ان الإسلاميين لهم الأغلبية في مجلسي النواب والوزراء، او ان يتعرض ملك المغرب لمحاولات تشويه مستمرة من قبل جهات عدة خارجية تستغل صوره اثناء رحلاته الأوروبية او عدم تمسكه بالمساحات الشاسعة بين الملوك والشعوب وغيرها من الأدوات التآمر الاخوانية والغربية والفارسية والصهيونية والتي بكل اسف وكالمعتاد يناسق لها فيالق الجهل عبر وسائل التواصل الاجتماعي رغم ان الملك محمد السادس يعد من اهم أصدقاء الدولة المصرية على مر سنوات حكمه.
 
ولقد ادرك الملك محمد السادس مبكراً – عكس والده الحسن الثاني – مدى عبثية فكرة الوحدة العربية بل والإسلامية وسن سياسة المغرب اولاً دون ان ينفصل عن محيطه العربي او الإسلامي او الافريقي ولكن في نفس الوقت دون الانغماس المبالغ فيه في قضايا انحرفت عن مسارها للابد، وان القضايا المتعلقة بتلك الدوائر لم تعد قضايا وطنية او دينية بل مزاد مفتوح بين دول المنطقة للمزايدات والمتاجرة بحقوق الشعب الفلسطيني والعراقي والسوري وغيره – باستثناء الدور المصري الحقيقة الوحيدة في قضايا الشرق الأوسط – ومن ثم آثر العاهل المغربي الا يكلف الخزانة المغربية درهم واحداً في تلك القضايا او حتى تكاليف رحلة الاستعراض السنوي الى ما يسمى القمة العربية أو الإسلامية.
 
وحتى الضغوط الامريكية والأوروبية والإسرائيلية لحضور قمة البحر الأحمر في شرم الشيخ يومي 2/3 يونيو 2003 رغم حضور الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن وحكام البحرين والأردن والسعودية ومحمود عباس رئيس الوزراء الفلسطيني وقتذاك أضافة الى الرئيس مبارك، ورفض حضور قمة البحر الميت في العقبة الأردنية يوم 4 يونيو 2003 بحضور بوش الابن ورئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون ومحمود عباس إضافة الى الملك عبد الله الثاني بن الحسين.
 
اما والده الحسن الثاني، فقد ارسل التجريدة المغربية التي تعد اقوي فرق الجيش المغربي في أكتوبر 1973 من اجل المشاركة في الحرب على الجبهة السورية، وعقب قيام الجيش المغربي بتحرير اغلب مناطق الجولان السوري المحتل واصبح ابطال الجيش المغربي في انتظار الطيران السوري لتثبيت الانتصار، حدث لغز دمشق الاثير، حيث تقاعس النظام البعثي عن ارسال الطيران الى الجولان، واذا بإسرائيل تقصف التجريدة المغربية وسقط عدد كبير من الشهداء المغاربة، وسارع صدام حسين نائب الرئيس العراقي وقتذاك بإرسال الطيران العراقي لتغطية انسحاب الجيش المغربي من الجبهة السورية، ولقد كان المشهد العربي المخضب بالتواطؤ والخيانة واضحاً امام الحسن الثاني الا انه لم يتخذ القرار الثوري بالإبحار عن هذا المقتنع كما فعل محمد السادس.
 
وكل ما يعرفه المصريين عن اقتصاد المغرب هو المقولة الاخوانية التي يرددها بغباء منقطع النظير بعض مؤيدي الدولة ان اقتصاد المغرب قائم على الدعارة وهو قول غير احترافي بالمرة، تعد المغرب ثاني منتج للفوسفات وأول مصدر له على مستوي العالم وتحتوي على 75 % من احتياطي الفوسفات على مستوي العالم، والمغرب هو الدولة الأولى عربيا والثانية افريقياً والــ 28 عالمياً في صناعة السيارات، كما يضم قطاعه المصرفي التجاري وفا بنك الذى استطاع شراء بنك باركليز مصر العام الماضي بـ 500 مليون دولار وحضر ممثلوه المنتدي الاقتصادي بشرم الشيخ نهاية العام الماضي وكان لهم مقعد في حوار المائدة المستديرة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
 
وسياحياً تضم المغرب شواطئ على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، إضافة الى السياحة الجبلية والدينية والتاريخية ما يوفر للمغرب 9 مليون سائح سنوياً او ما يساوي قرابة 9 مليار دولار.
 
وبعيداً عن ارقام الاقتصاد والسياحة فأن الشعب المغربي شعب مثقف ولبق ومضياف، وكان لشبابه وفد مميز في منتدى شباب العالم بشرم الشيخ نوفمبر 2017، وينظم المغرب معارض للكتاب ومهرجانات للسينما على مستوي راق ما جعله قبلة الحركة الفنية والأدبية العربية والافريقية وقت انعقاد تلك المهرجانات والمعارض.
 
وفى تقديري ان الخطوة التي قام بها الملك محمد السادس تحتم على الرباعية العربية رفع مستوي التنسيق مع المغرب ورفع مستوي التنسيق المصري – المغربي تحديداً لقضايا المنطقة، خاصة اننا لو نظرنا الى منطقة المغرب العربي اليوم، فأن موريتانيا مكبلة بظروف صعبة، وليبيا حتى الان غائبة عن الوعى، و الجزائر رغم العلاقات القوية مع مصر بل وكانت محل أولى زيارات الرئيس السيسي الخارجية عقب توليه المسؤولية منتصف عام 2014، الا ان الوضع المبهم للرئيس عبد العزيز بوتفليقة وضبابية وضع الرجل الثاني في الدولة الجزائرية يحتم علينا التخوف من انفجار الجزائر عقب خروج بوتفليقة عن المشهد وبالتالي لا نرى في المغرب العربي مستقراً الا في مملكة المغرب ولا يجب علينا ان نفوت فرصة التواصل مع الرباط بمستويات اعلى علما بأن التواصل التقليدي موجود بالفعل وقد استقبل الرئيس السيسي في ابريل 2018 رئيس البرلمان المغربي الحبيب المالكي المقرب من الملك محمد السادس.

 

تعليقات (1)
إزالة الإلتباس
بواسطة: زايد زياده
بتاريخ: الجمعة، 18 مايو 2018 04:22 ص

مقال اكثر من رائع أزال الالتباس تجاه المملكه المغربيه ومواقف الملك محمد السادس وعدم لقائه المباشر بالقياده المصريه حتي الان وكأنه يتجنب هذا اللقاء . كما أظهر المقال حنكة الملك السياسيه وحُسن اختيار معاونوه في القصر الملكي (اللاعبون خلف الستار) .

اضف تعليق