هل حاول السادات أخونة مصر؟

الإثنين، 23 أبريل 2018 01:31 م
هل حاول السادات أخونة مصر؟
إيهاب عمر يكتب:

 

يدرك القائمون على المؤامرة أن السلاح والإرهاب وحدهما لا يكفيان، ولا الطابور الخامس، أو تفجير المجتمع من الداخل بالفتن والأخبار الكاذبة، ولكن للمؤامرة جناح فكري تنظيري، يعمل على ضرب ثوابت الفكر المصري وأعمدة ارتكاز الأمة المصرية على طول الخط، وتبرئة عناصر المؤامرة عبر العصور ودس السم في العسل عبر الطعن في سيرة الرموز ليتحولوا إلى خونة.

على سبيل المثال يصر منظرو المؤامرة خاصة ما يطلق عليهم الكتاب الإخوان، وبكل أسف تأثر الفكر اليساري المصري بهذه الديباجات، انه إرهاب الإسلام السياسي بريء من اغتيال الرئيس الشهيد محمد أنور السادات في 6 أكتوبر 1981، وان من قتله هو عناصر من الجيش فحسب، أو إيكال الأمر برمته إلى نائب الرئيس حسني مبارك...

وكان الرد الذي كتبته مراراً منذ عام 2011 على الأقل في ظل هجوم غوغائي كاسح حاول ربط كل مصائب مصر عبر عشرة آلاف سنة بحسني مبارك، أنه لا يوجد في العالم أي شخص يمتلك الثبات الانفعالي اللازم للمكوث داخل المنصة وهو يعرف أنها سوف تقصف بعد دقائق بوابل من القنابل وأن يفتح عدداً من المسلحين النيران على المنصة، فالسادات لم يمت يومذاك وحده والإصابات نالت الجميع، وبالتالي نظرية أن قاتل السادات كان يجلس بجانبه على بعد ميليمترات وداخل المنصة التي سوف يتم غربلتها بالقنابل والرصاص بعد دقائق هو حديث لا يرتقى لبثه في برنامج سينما الأطفال!

وأما انتماء الخلية التي صنعت حادث المنصة إلى إرهاب الإسلام السياسي بل لتنظيم الإخوان تحديداً هو أمر مثبت، فالعملية مشتركة بين تنظيم الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد الأذرع المسلحة لتنظيم الإخوان، سواء عبود الزمر أو طارق الزمر ومفتي العملية والجماعة الإسلامية عمر عبد الرحمن، أما أشهر رجالاتها خالد الإسلامبولي، فإن اليسار المصري قبل الإسلاميين يتعمدون إخفاء انه الأخ الشقيق لمحمد شوقي الإسلامبولي.

محمد الإسلامبولي هو مفتي الجماعة الإسلامية، وأحد مؤسسي تنظيم القاعدة الإرهابي في أفغانستان جنباً إلى جنب مع أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، ما ينفي كذبة أن الجماعة الإسلامية لم تشارك في تأسيس تنظيم القاعدة، وأن الأمر محصور على جماعة الجهاد فحسب، الإسلامبولي هو ضابط الاتصال بين تنظيم القاعدة وإيران خاصة الحرس الثوري الإيراني ولطالما أقام فترات مطولة في إيران ذات الحدود المشتركة مع أفغانستان، وحينما سقط نظام طالبان في أفغانستان على وقع الغزو الأمريكي عام 2001، كان الإسلامبولي هو مهندس شبكة من البيوت الآمنة في العاصمة الإيرانية طهران قامت بإيواء عدداً من زعامات طالبان والقاعدة وعلى رأسهم عائلة بن لادن.

الإسلامبولي مهندس الاتصالات بين إيران وإرهاب الثمانينات والتسعينات في مصر، عاد إلى القاهرة عقب يناير 2011 ووجد من يدافع عنه ويعطيه صكوك الوطنية والثورية والعفو الرئاسي، ولكنه غادر مصر قبل ثورة 30 يونيو 2013 بعد أن أكسبته سنوات الإرهاب في أفغانستان وإيران خبرة في استشعار الخطر، وقد سافر أولاً إلى إيران التي أوت بعضاً من رجالات الإخوان والجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد عقب ثورة 30 يونيو المصرية قبل أن تقوم بطردهم إلى تركيا حيث يعيش الإسلامبولي حتى الآن.

ويشارك الإسلامبولي حتى اليوم في غرفة عمليات إخوانية تضم كافة رجالات الإخوان وجماعتي الجهاد والإسلامية الهاربين في تركيا، هذه الغرفة تشارك في إدارة وضخ الإرهاب داخل الأراضي المصرية منذ 3 يوليو 2013 يوم خلع أول جاسوس مدني منتخب، وحتى اليوم.

أيمن الظواهري أقر في جميع محاضراته وخطبه عن الإرهابي الإخواني سيد قطب، أن الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد هم أبناء تنظيم الإخوان خاصة فكر سيد قطب، وبالتالي فإن من غربل منصة السادات يوماً لم يكن ينتمي إلى إرهاب الإسلام السياسي فحسب، بل كان إخوانياً خالصاً، وما تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية إلا الجناح المسلح للتنظيم الإرهابي الأم، مجرد لعبة توزيع أدوار.

ولنا في أحداث ما بعد 25 يناير 2011 خير دليل، أنه وقت الجد هؤلاء عيلة واحدة، من طارق الزمر إلى محمد الإسلامبولي إلى مكتب إرشاد الإخوان إلى مجلس وزراء الحكم الإخواني إلى برلمان الإخوان المنحل، جميعهم فريق واحد اليوم في المنفى.

وفى سياق متصل، جرى تضخيم فكرة أن الرئيس أنور السادات قد أطلق الإخوان من المعتقلات ومن المنفى إلى الداخل المصري، وقد صنع منظرو الإخوان وبكل أسف نقل عنهم اليسار ثم الليبراليين هذه الديباجات، أن الإخوان كانوا جثة هامدة قبل حكم السادات ثم قام الأخير بتسديد قبلة الحياة لهم بتعليمات أمريكية سعودية خالصة.

ويكمل هؤلاء أن أسلمة مصر أو جعلها إمارة وهابية كانت تعليمات واضحة للرئيس السادات، وأن مصر ضاعت بسبب حقبة السبعينات وما جرى فيها على يد الرئيس المؤمن الذي أخرج المارد من القمقم.

وقد يتساءل البعض ما الذي يجعل منظرو الإخوان أصلاً يتحدثون عن أسلمة مصر أو حقنها بالوهابية باعتبار الأمر على غير رغبتهم؟ لأنه في نهاية المطاف فإن كافة هذه المصطلحات والأفكار تجعل صاحبها بعيد عن الفاعل والجاني الحقيقي، ما جرى في مصر ليس أسلمة أو وهابية، بل أخونة جرت على يد الإخوان وروافدهم فحسب، وكما أرادوا أن يكون قاتل السادات هو أبو غزالة أو مبارك، فإن أسلمة مصر يجب ألا يتهم فيها الإخوان بل السادات.

الأخونة بدأت منذ اليوم الأول لتأسيس بريطانيا هذا التنظيم عبر عمليها حسن البنا، وقد بدأت الأخونة بزرع عملاء وعناصر لها في كل مكان، وبكل أسف ظن الملك فؤاد لفترة، والملك فاروق أيضاً لفترة أخرى أنه يمكن استخدام هذا التنظيم ضد حزب الوفد، ولاحقاً حينما تم حظر التنظيم فأنه عاد مرة أخرى أوائل الخمسينات بوساطة أمريكية لدى الملك فاروق من أجل لجم المد الشيوعي.

الأخونة كانت حاضرة على وقع ثورة 23 يوليو 1952، حينما أراد الإخوان أن يظهروا أمام حكام مصر الجدد باعتبارهم القوة القادرة على الحشد بل وحسم الصراع داخل مجلس قيادة الثورة بين جناح نجيب وجناح جمال عبد الناصر بل وحتى ضد الجناح الشيوعي، قبل أن يدرك تنظيم الضباط الأحرار حتمية التخلص من الإخوان عام 1954.

الإخوان وإن تم سجن كبار رجالاتهم عام 1954، إلا أن الأخونة المجتمعية كانت جارية على قدم وساق خاصة في المحافظات، من يريد أن يخبرك أن الإخوان الذين ظهروا على السطح في السبعينات جميعهم كانوا قبل سبعينات السادات كانوا في المعتقل أو المنفى هو مقولة غير حقيقية ومبالغ فيها ومحاولة لتغطية فشل الحقبة الناصرية في كبح تمدد الإخوانية في المحافظات.

بل وكانت القوانين الخاصة بتحديد الملكية الزراعية وغيرها من قوانين المصادرة قد فتحت الباب أمام أبناء المحافظات دون روابط للانتقال إلى العاصمة ما أدى إلى انتقال الحاضنة الشعبية للمؤامرة بفكرها المتطرف إلى القاهرة.

وفى تلك الأثناء كان الإخوان حاضرين في أكثر من مصيبة، بعيداً عن أن السعودية وكافة دول الخليج العربي قامت باستدعاء إخوان مصر وسوريا والعراق، وهؤلاء هم من مكنوا الوهابية والأسلمة داخل المجتمعات الخليجية خاصة السعودية وليس العكس، فإنه حينما جرى انقلاب 1961 في سوريا ضد الوحدة مع مصر، فإن برلمان الانفصال بل النظام الانفصالي في دمشق حتى ثورة البعث عام 1963 كان إخوانياً، وكان الإخوان هم القوة الضاربة في الشوارع، وهم من أركان وأهم منفذي مؤامرة الانفصال السوري عن مصر بعيداً عن أخطاء القاهرة في إدارة سوريا وبعيداً عن ضجر الشعب السوري من القرارات الاشتراكية غير الملائمة لمجتمع التجار الشوام وبعيداً عن حقيقة أن الانفصال كان ثورة شعبية مصغرة فإنه في نهاية المطاف وفى الشق الخاص بالمؤامرة كان الإخوان هم القوة الضاربة.

وفي العراق، الرئيس عبد السلام عارف الذين يصنفه منظرو القومية العربية باعتباره من أهم قادتها في الستينات ومن أهم صناعها في العراق، كان يرى حتمية التزاوج بين القومية العربية والإسلام السياسي ودشن فكرة الاشتراكية الإسلامية! عارف هو من توسط لدى الرئيس عبد الناصر للإفراج عن سيد قطب!

وحينما جرت هزيمة 5 يونيو 1967، التي بكل أسف يقوم البعض بتسفيه أثارها السلبية رغم إننا ندفع ثمنها اقتصادياً وصناعياً وسياسياً حتى اليوم، خرج الإسلاميين من تحت الأرض، وشاركوا في انتفاضة فبراير 1968.

حينما وصل السادات للحكم، كانت إسرائيل رابضة على الضفة الشرقية لقناة السويس، وطيرانها قد ضرب محافظات وادي النيل المصري خلال حرب الاستنزاف قبل بضعة أسابيع من وفاة عبد الناصر، وكانت كافة التقارير السوفيتية قبل الغربية تشير إلى أنه حال وقوع مواجهات عسكرية بين مصر وإسرائيل فإن إسرائيل سوف تدخل العاصمة المصرية والسورية، حيث أن المسافة بين سيناء والقاهرة هي ساعتين فحسب، تماماً كما هو الحال بين الجولان ودمشق.

وفى هذا التوقيت بعد انهيار القومية العربية وحلم الوحدة العربية في يونيو 1967، وهو إحدى الخسائر التي يرفض البعض الاعتراف بها حتى اليوم، بدا واضحاً أن مشروع الإسلام السياسي هو القوة الضاربة للغرب والدول الموالية له في الشرق خاصة السعودية والمغرب، وكلاهما ساهم في إنشاء منظمة الوحدة الإسلامية عقب يونيو 1967 وهى الفكرة التي رفضها ناصر مراراً لأنها على حساب جامعة الدول العربية ولكن تحت وطأة الهزيمة وخفوت صوت مصر قبل ناصر بالفكرة.

هكذا كان الموقف أمام السادات، مشروع إسلامي يلوح في الأفق، وحلفاء لهذا المشروع في العالم العربي يرون ان الإسلام السياسي قادر على ضرب خطر المد الشيوعي، عبر حقن الغرب الصيني المسلم والجنوب السوفيتي المسلم بفيروس الإسلام السياسي، وأرض محتلة لا يمكن تركها في يد العدو ليس لأنها للمرة الأولى مصر يتقلص مساحتها بهذا الشكل فحسب وبعيدا عن خسارة قناة السويس اقتصادياً واستراتيجياً وتهجير أبناء محافظات القناة بمخلفات هذا القرار من مشاكل اقتصادية ومجتمعية وأمنية ولكن لان وجود إسرائيل داخل مصر على حدود قناة السويس يعني ضربة جديدة إلى القاهرة وقت الحاجة.

تقييم السادات للموقف هو ماذا لديه بالفعل؟ هل كان الحليف السوفيتي فعلاً حليفاً صادقا؟

في الواقع، إن السوفييت في زمن الأوكراني نيكيتا خروتشوف كانوا صادقين بالفعل مع القاهرة، ولكن في زمن ليونيد بريجنيف الأمر اختلف، شبهة الصفقة بين أمريكا والسوفييت أثناء حرب يونيو 1967 كانت واضحة أو على الأقل كان السادات من ضمن الجناح الحكومي داخل إدارة ناصر الذي رأى ذلك، وكان يرى أنه طالما السوفييت يتخذون من مصر صفقة ما مع أمريكا فانه لتذهب مصر مباشرة إلى أمريكا لعقد تلك الصفقة والحصول على الأرض وبالتالي تحصين مصر من أخطر هجوم تتعرض له منذ الاحتلال البريطاني عام 1882.

هذه رؤية السادات فور توليه السلطة، التوجه إلى أمريكا بعد فشل السوفييت في الدفاع عن مصر في يونيو 1967، او تقديم السلاح اللازم للعبور، ومحاولات جوقة الخبراء العسكريين السوفييت في مصر إدارة الجيش المصري بالنيابة عن الدولة المصرية، تماما كما يفعل جنرالات بوتين في سوريا اليوم بعد أن حولوا بشار الأسد وكامل نظامه إلى مجرد موظف.

بالنسبة للموجة الإسلامية المقبلة، رأى السادات وفعل ما فعله كافة رؤساء مصر لاحقاً، من مبارك إلى طنطاوي وصولا للرئيس السيسي، أن مقاتلة الموجة الإسلامية الموحدة دفعة واحدة سوف يؤدى إلى الخسارة، لأنه أمريكا والغرب يقف خلفهم بالسلاح والتمويل، وأيضاً بعض الدول العربية والإسلامية وبالتالي فإن تصعيد بعضهم إلى خشبة المسرح وتجريدهم من ميزة العمل السري سوف تحرقهم تحت الأضواء.

في تلك الأثناء كان تنظيم الجماعة الإسلامية يصعد وجماعة الجهاد يصعد والحاضنة الشعبية للسلفية الجهادية تتمدد، رأى السادات أن فصل الإخوان التنظيم الأم عنهم ووضعهم تحت الأضواء في العمل السياسي وإلهائهم بمناكفة الشيوعيين سوف يكون له دور في حرقهم وإجهادهم.

وأيضاً الشيوعيين المصريين بل الشيوعيين العرب كانوا طابور خامس للاتحاد السوفيتي الذي لم يعد راضياً عن السادات لتوجهه إلى أمريكا وفك معاهدة الدفاع المشترك مع السوفييت وطرد الخبراء السوفييت العسكريين، وبالتالي فإننا أمام خطة الهاء وفرق تسد بين طرفين أحدهما أجندة أمريكية والآخر أجندة سوفيتية.

من أجل استعادة سيناء كان يجب مسايرة الدول العربية والإسلامية المؤيدة للإسلاميين، سلاح النفط وقطع البترول والطاقة عن الغرب بأسره في أكتوبر 1973 لم يكن ليحدث لولا أن السادات خفف قبضته عن الإسلاميين.. هل كان يمكن تنفيذ عبور أكتوبر 1973 دون مساعدة الخليج؟ لا.. بكل أسف لا.. ولا أستطيع ككاتب للتاريخ أن ألوم السادات بقدر ما ألوم من أضاع سيناء وقطاع غزة بخطبة عصماء في إذاعة صوت العرب ووقت الجد انسحبنا ولم نحارب من الأساس.

صعد السادات الإسلاميين لحرقهم، وجودهم في العمل السري بنسبة 100% يكسبهم تحركاً ومرونة، يقر الإرهابي الفلسطيني صالح سرية أنه حينما جاء لمصر للتواصل مع قيادات تنظيم الأخوان، لم يجد لديهم القدرة على العمل المباشر وفضل العمل منفرداً بتنظيمه حتى لو كان على اتصال بهم، وجودهم فوق خشبة المسرح أعاق تقديمهم خدمات لوجسيتية موسعة لصالح سرية.

وسرية هو عضو تنظيم الإخوان في نسخته العراقية، وعضو في حركة فتح ولا عجب في ذلك لأنه ياسر عرفات شخصياً كان إخوانياً قبل أن يجد الرعاية من السوفييت ويغدو اشتراكياً، وقابل شباب الإخوان مثل أيمن الظواهري كما وصف الأخير تلك المقابلة في كتابه «فرسان تحت راية النبي»، وبحسب مذكرات القيادي الإخواني طلال الأنصاري، فإن تنظيم صالح سرية كان إخوانياً، ولكن الإخوان لم يستطيعوا دعمه علناً، وكان يهدف إلى صناعة انقلاب مسلح على السلطة المصرية عام 1974 واغتيال السادات وإعلان جمهورية مصر الإسلامية، وبحسب الأنصاري فإن سرية كان على اتصال بمرشد الإخوان حسن الهضيبي عبر زينب الوكيل، وأنه حال نجاح الانقلاب فإن المرشد كان ينوي دعمه وإعلان أن الانقلاب إخوانياً خالصاً.

خلية سرية الإخوانية أو تنظيم الفنية العسكرية كما يطلق عليه، هاجم الكلية الفنية العسكرية في 18 أبريل 1974 واستشهد 17 وجرح 65، وفشل الانقلاب الإخواني الساذج وتم إلقاء القبض على سرية وخليته.

حينما وافق السادات على مد المخطط الأمريكي في أفغانستان بالإرهابيين الموجودين في مصر، كان يرى انه يتخلص منهم من جهة ومن جهة أخرى مشاركة مصر في هذا المخطط الأمريكي كان ثمنه الحصول على 85 % من سيناء دون حرب عبر مفاوضات كامب ديفيد، لم يكن حباً في الإسلاميين أو الإرهاب أو أسلمة أو أخونة بل مسايرة للأمريكان من أجل الحصول على الأرض التي تمثل أهم مرتكزات الأمن القومي.

حينما شارك السادات في نادي سافاري، وهو تجمع عربي أمريكي لتصفية النفوذ السوفيتي في أفريقيا، لم يكن الأمر كرهاً للسوفييت، ولكن تحديداً رغبة من السادات في إيجاد حلفاء دوليين وعرب ضد إثيوبيا الشيوعية، حيث كان نظامها صناعة سوفيتية خالصة، وبدأ النظام الشيوعي في أديس أبابا في التخطيط لإثارة المشاكل مع مصر، بل أن مشروع سد النهضة قد بدأ فعلياً عام 1984 على يد الشيوعيين الأثيوبيين بدعم من الاتحاد السوفيتي.

الشيوعية في إفريقيا استخدمها السوفييت لضرب مصر بسببها خروجها عن بيت الطاعة السوفيتي، بعد أن أدرك السادات أن زمن السوفييت قد ولى ونشكركم على حسن تعاونكم في زمن العدوان الثلاثي وانتهى الأمر.

الملاحظ أننا لم نحصل على طابا إلا عام 1989، وهو العام الذي شهد نهاية الحرب السوفيتية الأفغانية، كانت الأرض مرهونة بالمشاركة في هذه الحرب، ولاحقاً حينما لم يكن لدينا ذراع نلوي منها، توسلت أمريكا لمبارك من أجل المشاركة في حربي أفغانستان والعراق دون جدوى، ولاحقاً لطنطاوي من أجل المشاركة في حرب ليبيا 2011 ولاحقاً للرئيس السيسي من أجل التدخل في سوريا واليمن برياً دون جدوى، ولكن الظروف في السبعينات مختلفة تماماً.

بكل أسف البعض يغيب عنه حقائق في منتهي الأهمية لفهم دوافع القيادة السياسية وقتذاك، لا أحد يعرف مدي مركزية وأهمية قضية سيناء وقتذاك وبكل أسف الشعب الذي كان موجوداً وقتذاك بدلاً من أن يقص لأبنائه مدى الوجع قد اكتفى بالأكل والشرب والنوم وإنجاب الأطفال وتصديق ديباجات الإخوان عن السادات الإخواني!

ختاماً.. لم يكن قرار السادات برفع قبضة الدولة عن الإسلاميين هو المتسبب الأول في كارثة تمدد الإسلاميين بطول وعرض الدولة المصرية، لأنه بكل أسف هذا الأمر كان حاصلاً في الحقبة الملكية والناصرية، المسألة اعقد بكثير من قرار رئاسي أو سيادي، هو تمدد شعبي عبر الحاضنة الشعبية للفكر المتطرف المحافظ، وما فعله السادات لم يكن أسلمة أو أوامر أمريكية أو سعودية بقدر ما هو كان حرق لتلك الأوراق بوضعها تحت الأضواء تماماً كما فعل كل من أتى بعده لاحقاً.

وبكل أسف، إن التاريخ الموازي الذي تصنعه كتب الجاهلية الإخوانية واليسارية يجعلنا اليوم ونحن نخط بديهيات تاريخية أشبه بمن يقدر سبق أو كشف تاريخي، رغم أنها بديهيات يجب أن تكون معلومة للجميع، فلم نذهب مع أمريكا إلى أفغانستان إلا لكي نحصل على سيناء ولم نذهب إلى السعودية إلا من أجل حظر النفط أثناء العبور 1973 ولم نذهب إلى نادي سافاري إلا لتطويق النظام الشيوعي في إثيوبيا والأسلمة كانت قبل وبعد السادات تجري على قدم وساق عبر الإخوان وليس عبر الدولة المصرية.

ألف باء سياسة دولية أن أنور السادات كان ينتمي إلى يمين القومية المصرية، وهو صناع سياسة مصر أولاً بدلاً من القومية العربية في العصر الحديث فكيف يتم نسب محاولة أسلمة مصر لمن أحيا القومية المصرية سياسياً في السبعينات وأعاد لمصر اسمها بعد أن كانت جمهورية عربية متحدة وحيدة بعد أن تركها السوريين بنصف ثورة ونصف انقلاب!

وحتى اليوم لا يوجد خطوات حقيقية لثورة فكرية أو مواجهة الحرب الثقافية التي تشنها تلك الحاضنة على هوية القومية المصرية رغم كافة الإنجازات السياسية والعسكرية في هذا الملف ولكن فكرياً وثقافياً حتى الآن المحصلة صفر.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة